بنات.. دريتوا عن والتر؟..توفي الله يرحمه اليوم الصبح
والتر الرجل الفلبيني قصير القامة الذي قارب على الستين له ابتسامة بسيطة يقدمها باستحياء عندما تحييه أو تمدحه، تراه أول القادمين وأخر المغادرين من الشركة، كالطيف بين الموظفين لا يصدر صوتاً عندما يمشي، دؤوب لا يؤخرعمله يعمل أكثر من ساعات العمل وفي أغلب الأحيان يعمل في أيام راحة الأسبوع، محبوب بين الكل وفي ذات الوقت منسي.
(صورة تجريدية لرجل)
توفي والتر وحيداً في المستشفى صباح يوم 26 يونيو عام 2020م بعد معناة دامت ما قارب الأسبوعين من مرض كوفيد19 ، من دون عائلته التي ظلت في الفلبين ودون أصدقاء أو زملاء بسبب الحجر الذي فُرض عليه، على الرغم من سطحية علاقتي به إلا أن وقع خبر وفاته أثر فيني سلباً حيث لم اتخيل دخولي الشركة دون أن أرى أكبر موظفي الشركة سناً يعمل بجهد في مكتبه بطمئنينة، شعرت بالأسى على طريقة موته: حزين، وحيد، مريض ومتألم في غرفة باردة.. موتة لا أتمناها لا على صديق أو عدو.
(صورة رجل على سريره)
أمر يجعلك تتسأل ففي كل شركة، محل، عائلة، مدرسة.. هناك شخص يشابه والتر دؤوب، يعمل بصمت ويعتمد عليه الكثير ولكن يتم نسيانه من الأشخاص بشكل عام ويتم استغلاله من الأشخاص السيئين، ولن تشعر بأهميته إلا عندما يفارقك وتجرب غيره، فلماذا يتم تجاهلهم بهذه الطريقة على الرغم من استحقاقهم للترقية، المدح ، التشجيع، الوقوف في صفهم عند تعدي الأخرين على حدودهم، الاحتفال بهم وبانجازاتهم، أو على الأقل السؤال عنهم عند اختفاءهم.
(صورة ألفريد بينورث )
للتوضيح، الصورة السابقة تقرب قصدي أكثر لأصحاب الأفلام والمجلات “الكوميك”: الكل منبهر بشخصية باتمان والأغلب لا يعني له ألفريد بينورث (مساعد بروس وين (باتمان) الشخصي وكبير الخدم) على الرغم من دوره المهم في تربيته والاهتمام به في طفولته أو في أوقاته الصعبة وإنقاذ حياته أكثر من مرة، صاحب الجمل الحكيمة التي استفاد منها الجمهور. نادراً ما نجد له معجبين أو قمصان مرسومٌ عليها وجهه على عكس باتمان فنرى مئات القمصان له بكل حالاته والمخزي أيضاً نرى للجوكر (الشرير) معجبين والكثير من البضائع المطبوعة باسمه أو صورته لان لا أحد يعجب برجل عجوز ببدلة عادية دون قوى تٌذكر.
لماذا نقع سيدي؟ حتى نتعلم كيف نلتقط أنفسنا
ألفريد بينورث
ولنختم هذه الخاطرة بقصة قوية من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام التي تحث الأخرين على البحث على هؤلاء الأشخاص وتقديرهم وهي كانت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ أتى عليه أفواج من أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويسُ بنُ عامر؟ حتى ألتقى بأويس فقال: أنتَ أُوَيس بنُ عامر؟ قال: نعم، ثم يسأله عمر بن الخطاب علامات خاصة ليتأكد من هويته ثم يستغرب أويس من دقة هذه المعلومات فيوضح له السبب فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامر، مع أمداد أهل اليمن، مِن مُراد ثمَّ مِن قرن، كان به برص فبَرَأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل))، فاستغفِرْ لي، فاستغفَرَ له، عندما قرأت هذه القصة أقشعر جسدي من رهبة الموقف، فتخيل في زمننا هذا يأتي عليك أكبرعلماء الدين مكانة ويقول لك أدعي لي بالخير أو الجنة لان ربنا سبحانه وتعالى يتقبل دعاءك فقد كان أويس رضي الله عنه يفضل ويحب أن يكون من ضعفاء الناس والعيش في بيتٍ رثٍ بمتاع قليلة، زاهد في الدنيا شديد البر بوالدته ومتعلق بربه غير بارز في المجتمع ومع ذلك دل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ونصح الصحابة بطلب الدعاء منه لمنزلته عند الله عز وجل دون أن يلتقي به إنما عرفه من الوحي فأي منزلة كان بها أويس رضي الله عنه. تخيل لو أنك قابلت شخصاً مثله غير معروف في الدنيا ولكن عند الله عز وجل منزلة عظيمة له فقمت بخدمته دون مقابل أو عاملته باحسان ودعى لك.. تفكر..
أبحث عن “والترك الخاص” وحاول أن تقوم معه مالم أقم به شخصياً مع واتر، قد تجده بين صفوف الطلاب جالساً بهدوء، قد تجده أحد أخوتك أو أقاربك يفعل الكثير ولا يسنده أحد او قد تجده أقرب الناس لك: زوجتك، زوجك، أمك أو حتى أباك وخلال رحلتك في البحث عن “والترك” ابتسم للكل، إكرم أي شخص قدم لك خدمة وابتسم في وجهه وقل له تستحق أكثر، وإذا مرض او اختفى احدهم لا تماطل ولا تؤجل زيارته أو سؤالك عنه حتى لا تندم عندما يفارقك ولم تقم معه بشيء بسيط كما ندمت.
وإذا يا عزيزي القارئ وجدت نفسك تشابه “والتر” ولم يتم تقديرك من أحد فهنيئاً لك لان الله عز وجل يعرفك ويفضلك عن باقي البشر.
Leave a Reply